عندما يتحول العمل الفني إلى لوحة فنيّة تضاهي جمال ابتسامة الموناليزا... وعندما يتحول العمل الفني إلى مقطوعة موسيقية تنافس بحيرة البجع في سحرها... وعندما يتحول العمل الفني إلى كتلة من المشاعر والأحاسيس التي تخترق جدران القلب مباشرة كما يخترق السهم الهدف... عندها فقط نعرف أننا أمام تحفة فنيّة !
كانت هذه مقدمة ضرورية لابد منها لتقديم عمل فني شامخ في زمن الإنحدار، عمل فني راقي في زمن الإنحطاط، عمل فني إبداعي في زمن التقليد، عمل فني نظيف في زمن الإسفاف.
إنه مسلسل ساهر الليل الذي عرض في شهر رمضان المبارك.
الحقيقة أني لم أتابع المسلسل خلال الشهر الفضيل ربما لضيق الوقت، ولكن وبعد ما سمعته من كلام جميل عن المسلسل قررت أن أتابعه بعد أن ننتهي من شهر رمضان، وفعلاً بعد العيد بأيام بدأت بمشاهدة حلقاته من خلال "اليوتوب"، والحق يقال أن المسلسل أفضل مسلسل شاهدته حتى الآن !
المسلسل تدور أحداثه خلال فترة السبعينيات الجميلة، وقد تألق المخرج المبدع محمد دحام الشمري في نقلنا إلى تلك الفترة بكل تفاصيلها الدقيقة، لدرجة أنني شعرت أنني قد عشت تلك الفترة وعايشتها رغم أنني لم أعشها !
فقد نقل إلينا الديكورات والسيارات والملابس والموضة، بل حتى الألفاظ والمصطلحات الكويتية القديمة التي تكاد تكون قد اختفت اليوم، وحتى بعض العادات الكويتية القديمة التي نفتقدها اليوم بشدة حرص محمد دحام على نقلها.
فلم ينسى المخرج حتى أدق التفاصيل ليضفي الرتوش النهائية على رائعة الكاتب الشاب فهد العليوة، الذي كتب قصة رائعة رومانسية بالدرجة الأولى.
فقد مللنا كمشاهدين من تكرار القصص الدرامية كل عام في مسلسلاتنا، وإن أراد البعض التغيير فإنه يحاول الإنتقال للكوميديا ولكنه يفشل "لثقل طينته"، ولكن في هذا المسلسل لقد شاهدنا الرومانسية.. الرومانسية الكويتية الرائعة النظيفة البعيدة عن الإسفاف والإبتذال، شاهدنا الحب بدون شوائب، شاهدنا المشاعر مجسدة بأبطالها، شاهدنا شي رائع.
شاهدنا الرومانسية بين الثنائي محمود بوشهري وصمود، والرومانسية القاتلة من نوع آخر بين المتألقين عبدالله بوشهري وهيا عبدالسلام، شاهدنا خبرة جاسم النهبان وباسمة حمادة، شاهدنا حضور فاطمة الحوسني، شاهدنا تألف حسين المنصور بـ"قطاته" الكوميدية الخفيفة، شاهدنا حضور قوي لنجوم شباب مثل فؤاد علي وأفراح وفرح، شاهدنا إتقان جواهر لدورها المختلف، وشاهدنا التقمص الرائع لدور المعاق من قبل عبدالله التركماني. شاهدنا البطولة الجماعية المميزة في هذا العمل.
الحقيقة لقد استمتعت بمشاهدة هذا المسلسل كما لم أستمتع بأي شيء آخر شاهدته، فقد استمتعت بمشاهدة قصة رومانسية ولكنها مختلفة، رومانسية كويتية مختلفة عن رومانسية الأفلام الأمريكية والأفلام المصرية التي حفظناها.
المسلسل كما وصفته تحفة فنية بحق، ومن وجهة نظري المتواضعة فهو أفضل ما أنتجه الفن الكويتي على الأقل خلال العشرين سنة الماضية، ولو أني قيمته بـ10/10 فإني أظلمه الصراحة لأنها قليلة بحقه !
كتبت هذه الكلمات لكي أشكر كل ساهم بإخراج هذا العمل الفني الرائع، فهم يستحقون الشكر والثناء على ما قاموا به، فما قاموا به كثير... لقد صنعوا تحفة فنية. ولكي أنصحكم بالإستمتاع بهذا العمل الفني الراقي كما استمتعت به أنا.
وإلى مزيد من هذه الأعمال الفنية المميزة الراقية، فالشكر كل الشكر مرة أخرى لنجوم هذا العمل.