نزولاً عند رغبة الجماهير... عفواً قصدي قراء المدونة الكرام، فها أنا أكتب البوست الثالث عن أحد الكتب التي قرأتها، فقد لاحظت أن بوستات الكتب لاقت رواجاً كبيراً بين الزملاء -حدي عشت الدور-، والكثير طالبني بتقليل البوستات السياسية والبعض قفز إلى المطالبة بمقاطعة السياسية... قد أحاول التقليل من السياسة ولكن هذا الأمر يعتمد على الشارع السياسي وما يستجد به.. وإعذروني عالإطالة.
فهد العسكر .. حياته وشعره
لـ: عبدالله زكريا الأنصاري
إصدار: ذات السلاسل
الطبعة الرابعة - 1979
الصفحات: 350
لا أعلم ما سبب شرائي لهذا الكتاب حقيقة، لعله نوع من التغيير، فأنا لست من النوع المهتم بالشعر كثيراً، ولكن شدّني أن أعرف قصة حياة هذا الشاعر وقراءة بعضاً من أشعاره.
الكتاب قديم، فالطبعة الأولى منه كانت عام 1956، وهذه الطبعة الأخيرة التي طبعت منه وكانت عام 1979، ولا أعرف هل هو متوفر بكمية في الأسواق أم لا.
قام الأديب الكويتي عبدالله زكريا الأنصاري بتوثيق حياة هذا الشاعر، وتوثيق كل ما وجده من قصائده عبر هذا الكتاب، وكان المؤلف على علاقة شخصية بالشاعر قبل وفاته، فلاحظت نوعاً ما انحياز المؤلف للشاعر، فلم يكن المؤلف محايداً تماماً، ولكن الكتاب كان جيّداً لمن يريد مثلي أن يتعرف على هذا الشاعر الكويتي.
قصة حياة هذا الشاعر قصة مليئة بالبؤس والشقاء، فقد عاش عاشقاً للحرية والتحرر، ساخطاً على المجتمع وعلى العادات والتقاليد البالية، اعتنق أفكاراً تحررية متطرفة لو قال بها البعض اليوم قد يحارب.. فما بالكم به وقد قالها في الكويت في الثلاثينيات والأربعينيات !
حاربه المجتمع وقاطعه وعاداه، ورماه البعض بالكفر والإلحاد، وتركه الجميع حتى أهله وأقرباؤه، وعاش وحيداً منعزلاً عن المجتمع الذي لم يستطع أن يفهمه أو يتقبله، ومات وحيداً بلا صديق أو قريب.
استمتعت كثيراً بقراءة قصائده العذبة، التي أنشدها من فرط الحزن والأسى، فوجدت فيها صدق المعاني وحرارة المشاعر، وقصائد الحب والغزل في محبوبته التي حُرم منها، فوجدت فيها الحرمان الذي تجسد بأبياته. وإن كان له بعض الأبيات بها كلام قد نستغرب منه كمسلمين، ولكن في الغالب قصائده رائعة.
عاش هذا الشاعر البائس في الكويت في الفترة ما بين 1917 إلى 1951، وكفّ بصره في نهاية حياته، وبعد وفاته جمع أهله كل قصائده وأوراقه وقاموا بحرقها، فحرقوا بذلك إرثاً أدبياً عظيماً، ولكن المؤلف هنا استطاع أن يجمع ما تبقى من تلك الأشعار من هنا وهناك وجمعها في هذا الكتاب، وأضاف عليها قصة حياة فهد العسكر، ليخرج بتوثيق لحياة هذا الشاعر البائس.
وقبل أن أختم، أنصحكم لمن يريد أن يقرأ له شيئاً أن يقرأ قصيدة "في الأحمدي" فهي أعذب ما قرأت له حتى الآن، وأيضاً سأضع لكم هنا بضع أبيات من مطلع قصيدة رائعة له، حملت عنوان "كفّي الملام" موجهة إلى أمه، حينما قاطعه أهله جميعاً، وحاربوه، فنرى بها الحزن والعتاب المرير لأمه.
كفي الملام وعلليني
فالشك أودى باليقين
وتناهبت كبدي الشجون
فمن مجيري من شجوني
وأمضّني الداء العياء
فمن مغيثي من معيني
أين التي خلقت لتهواني
.. وباتت تجتويني
أماه قد غلب الأسى ..
كفي الملام وعلليني
الله يا أماه فيّ ..
ترفقي لا تعذليني
أرهقت روحي بالعتاب
.. فأمسكيه أو ذريني
أنا شاعر أنا هائم
أنا مستهام فاعذريني
أنا من حنيني في جحيم
آه من حرّ الجحيم
أنا تائه في غيهب
شبح الردى في قريني
ضافت بي الدنيا دعيني
أندب الماضي دعيني
وأنا السجين بعقر داري
فاسمعي شكوى السجين
بهزال جسمي باصفراري
بالتجعد بالغضون