كنت قد كتبت في البوست السابق عن اكاديمية الوطن، وأهدافها الخبيثة، واليوم سأكمل في هذا البوست وسأوضح أفكار ورؤى الوطن "السامة والمسمّمة" التي يجهلها الكثير للأسف.
بداية سأبدأ بالفكرة "الأبسط"، ولاحظوا أنها الأبسط وليست بسيطة !
كل فتنة تعصف بهذا البلد، وكل فتنة تطل برأسها، تكون من صنع ودعم وتأييد ومباركة الوطن، وحتى لا أرمي بالتهم جزافاً تعالوا لنعود بالذاكرة قليلاً إلى الوراء ونسترجع الذكريات.
فبغض النظر عن دعم الوطن الواضح للجويهل، وتصدّر أخباره "السخيفة" صفحتها الأولى دائماً، فانظروا ماذا أثارت الوطن أيضاً...
مشكلة وفتنة تأبين عماد مغنية، والتي راح ضحيتها الشيعة، كانت من صنع الوطن.
مشكلة وفتنة الفرعيات أيام الإنتخابات، والتي راح ضيحتها أبناء القبائل كانت من صنع الوطن.
مشكلة الهوسة العراقية التي أثارتها الوطن، والتي راح ضيحتها البدون كانت أيضاً من صنع الوطن.
ولو بحثتم في الذاكرة ستجدون أكثر، هذه أمثلة استحضرتها من الذاكرة فقط !
حسناً، هذه إحدى أفكار الوطن المسمومة التي تبثها يومياً وتسبب خلافات ونزاعات بين الكويتيين ونحن لا نشعر، تعالوا لنرى فكرة أخرى.
من أخطر أفكار الوطن التي تسعى جاهدة لبثها بشكل شبه يومي وبشكل غير مباشر، والتي أثّرت -وللأسف- على فئة ليست بالقليلة من المجتمع، وهي كره وتحقير مجلس الأمة !
سأريكم مثال بسيط جداً حدث منذ أيام فقط، طرح الزميل فرانكوم في مدونته صورة لإمارة دبي من السماء مظهرة أبنيتها وأبراجها الشاهقة بمنظر رائع، ثم كتب معلقاً "دبي عندهم مجلسة أمة؟"، وأعتقد المعنى واضح جداً، فهو يقصد -وعن حسن نية- أن دبي تقدمت وازدهرت لأنهم لا يملكون مجلس أمة تأزيمي يوقف التنمية "وما يخلي الحكومة تعرف تشوف شغلها".
وهذه الفكرة أصبحت منتشرة للأسف الشديد بين فئة الشباب ! وهذا يا أخوان مؤشر خطير جداً جداً.
كثير من الشباب اليوم حينما تسألهم عن مجلس الأمة يكون ردهم بأن هذا المجلس لم نرى منه إلا المشاكل والتأزيم "ولو يحلّونه أبرك" !
إذا كان جيل الشباب يكره مجلس الأمة ويحتقره فهذا يعني أن البلد ستضيع !
مجلس الأمة هو الإرث الثمين الذي ورثناه من أبائنا وأجدادنا، إرث غالي يجب ألا نفرّط به، رجال ضحوا بأنفسهم وراحتهم وحريتهم، بعضهم سجن وبعضهم قتل من أجل أن ننعم اليوم بحياة ديمقراطية يحسدنا عليها الكثير.
هذا بيت الشعب، هذا مجلس الأمة، هذا ديمقراطيتنا التي ننعم بها اليوم... وإن كان بعض أعضائه حاولوا الإساءة إليه باستغلالهم السيّء للعضوية فيه، فيجب ألا نجعل الوطن أو غيرها تستغل هذه النقطة لتؤثر علينا من خلالها.
يجب أن تعوا أن مجلس الأمة إن رحل فإنه لن يعود أبداً، ويجب أن تتمسكوا به وتدافعوا عنه لأن الكويت من دونه لو تكون كويتاً، وانظروا إلى فترات حل المجلس حلاً غير دستوري ما الذي حدث... أغلب المناقصات والعقود المشبوهة وقّعت خلال تلك الفترات، وأغلب القوانين السيئة صدرت خلالها، وضيّق الخناق على الشعب فأصبح الممنوع هو السمة الغالبة لكل شيء في الدولة، وانتشرت الإعتقالات لكل من يفتح فمه بما لا يعجب السلطة.
ولماذا نعود بالزمن إلى تلك الحقبة؟ انظروا خلال فترة حل المجلس -حل دستوري- قبل عامين ما الذي حصل؟ قانون التجمعات سيّء الذكر، أحداث الصباحية، وغيرها الكثير.
حسناً، السؤال الذي سيطرح الآن كيف تقوم الوطن ببث هذه الأفكار؟
الإستجواب تأزيم... الأعضاء يوقفون التنمية... الإحتقان السياسي وصل حدّه... مجلس الأمة يوقف البلد على رجل واحدة...
هذه الكلمات كثيراً ما ترددها الوطن، وهي تخلق الفكرة التي تريدها في عقول الناس الذين يستمدون ثقافتهم السياسية من الجرائد فيصدقونها -لا شعورياً-، فيعتقدون بأن السبب في كل مشاكلنا هو مجلس الأمة !
كذلك، ألم تتصدر الصفحة الأولى في الوطن مرات عديدة أخبار وتفاصيل بعض "الهوشات" والمشاكل التي تحدث بين النواب؟
الجلسة -كمثال- حدث بها أشياء عديدة، نوقشت أمور مهمة، وجّهت أسئلة، أقرّت قوانين، ولكن الوطن تترك كل هذا وتركز الضوء على خلاف حصل بين النواب استمر 10 دقائق وبعدها عاد كل شيء إلى طبيعته، فقط لتوجه رسالة أن هذا هو مجلس الأمة.. كل ما يقوم به الأعضاء هو السب و"الهواش" !
هذا أمر طبيعي يحدث في كل برلمانات العالم، وإن كان أمر خاطئ ولكنه يحدث، بل يحدث ماهو أكثر من مجرد التراشق بالكلام، فلماذا التركيز على هذه الأمور التي لا تهم المواطن بشيء؟
تسعى الوطن أن تصوّر مجلس الأمة بأنه عقبة ضخمة في طريق التنمية، وأن الطريق الوحيد للتنمية هو بإزالة هذه العقبة لكي تستطيع عجلة التنمية أن تعود للدوران من جديد.
ألم تتطور الكويت وتصبح عروس الخليج ومجلس الأمة موجود بل وشارك في هذه التنمية ؟
المشكلة ليست في المجلس، فمن يقول أن المجلس لا يترك فرصة للحكومة لتعمل فهو خاطئ، ففي كل دول العالم هناك برلمان يحاسب الحكومة على كل شيء، ومع ذلك الحكومة تعمل وتنجز، فهذان أمران لا يتصادمان، ولكلٍ طريقه، وإن كانت الحكومة لا تستطيع القيام بدورها كامل فالمشكلة منها هي لأنها حكومة ضعيفة.
هناك الكثير من الأمور أيضاً كنت أود الحديث عنها، كمحاربة الوطن للشرفاء من أبناء البلد وحماية رعاة الفساد و"التطبيل" لهم، وتقديس الشيوخ وإضفاء هالة من القدسية عليهم لا أساس لها... وغيرها من الأفكار السامّة، ولكن البوست أصبح أطول من اللازم، ولا أريد أن أطيل عليكم أكثر من هذا.
أرجو أن تكون الصورة اتضحت بالنسبة لكم، وكلكم يميّز بين الصح والخطأ، وتستطيعون أن تعرفوا من الذي يريد مصلحة البلد ومن يريد دمارها، فانتبهوا، واحذروا من هذه السموم التي تبثها الوطن.
وحفظ الله الكويت وشعبها من هذه السموم.